البيت… مساحة الراحة والاستكنان – صدى تبوك


بعد عامٍ طويل مثقلٍ بالدراسة والالتزامات، بدأت أترقّب الإجازة كما يترقّب العطشانُ قطرة ماء. كنت أشعر أنني بحاجة إلى استراحة حقيقية تتيح لي أن أتنفس بعمق، وأن أتخفف من الضغوط التي تراكمت دون أن أشعر. وكحال الكثيرين، راودتني في البداية فكرة السفر إلى مكان جديد، فالسفر يبدو دائمًا خيارًا جذابًا يحمل في طياته المتعة والتغيير. لكن مع مرور الأيام، بدأت أراجع نفسي وأتساءل: هل ما أحتاجه حقًا هو السفر؟ أم أنني بحاجة إلى السكون أكثر من الحركة؟
وبعد تفكيرٍ هادئ، اتخذت قراري: سأقضي إجازتي في بلدي، بل في بيتي تحديدًا. لم يكن القرار غريبًا بقدر ما كان صريحًا مع احتياجاتي. أدركت أن الراحة لا تعني بالضرورة الانتقال من مكان إلى آخر، بل قد تكون في العودة إلى جذور الهدوء، إلى المساحة التي أشعر فيها بالأمان والانتماء.
مع أول صباح في الإجازة، شعرتُ أن الزمن بدأ يتحرك ببطء جميل. لم أستيقظ على صوت المنبّه ولا على استعجال اللحاق بمواعيد أو واجبات. فتحت النافذة، واستنشقت هواء الصباح كأنه فرصة جديدة للحياة. جلست بهدوء مع كوب قهوتي، أستمع لصوت الطمأنينة الذي غاب طويلاً عن داخلي. كانت تلك اللحظات البسيطة، التي قد تمرّ على غيري دون اهتمام، بمثابة بداية رحلةٍ هادئة نحو نفسي.
قررت أن أجعل معظم وقتي داخل البيت، لا كسلاً، بل رغبةً في الاسترخاء والتأمل. رتّبت غرفتي، وأعدت تنظيم بعض الأشياء التي لم ألتفت إليها طوال العام. اكتشفت أنّ ترتيب المكان ينعكس على ترتيب الأفكار، وأن الهدوء الخارجي يُنعش الهدوء الداخلي. خصصت وقتًا للقراءة، وآخر لمشاهدة الأفلام المفضلة لدي، وأحيانًا كنت أستلقي في صمت، أستمع فقط إلى هدوء المكان وكأنه موسيقى خفية لا يسمعها إلا من يحتاج إليها.
قضائي للإجازة في بلدي أتاح لي فرصة ثمينة لقضاء وقت أطول مع عائلتي. جلسات عفوية مليئة بالضحك، ووجبات طعام نتشاركها دون استعجال، وأحاديث بسيطة لكنها صادقة. أدركت أن هذه اللحظات هي أجمل من أي رحلة بعيدة، وأن قرب من نحبّ هو في حد ذاته إجازة روحية تعيد إلينا قوتنا وطمأنينتنا.

ورغم أن إجازتي لم تتضمن مغامرات كبيرة أو تنقلات كثيرة، إلا أنها كانت غنية بمعانيها. تعلّمت أن الاستراحة ليست هروبًا من الحياة، بل محطة ضرورية لمواصلة الطريق بطاقة جديدة. وتبيّن لي أن الوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل شعور عميق بالألفة، وأن البيت ليس جدرانًا وأثاثًا فقط، بل هو حضن دافئ نعود إليه كلما أثقلتنا الحياة.

مع قرب انتهاء الإجازة، شعرت بأنني أكثر هدوءًا وصفاءً. وسوف اعود الى عملي وأنا أحمل طاقة متجددة ورغبة في مواصلة الطريق بثقة وراحة. لقد كانت إجازتي هذا العام رحلة داخلية صادقة، لم أغادر فيها وطني ولا بيتي، لكنها أخذتني إلى أعماق نفسي، وجعلتني أدرك أن السعادة أحيانًا تسكن الأقرب إلينا، لا الأبعد عنا

Leave a comment

SPIN TO WIN!

  • Try your lucky to get discount coupon
  • 1 spin per email
  • No cheating
Try Your Lucky
Never
Remind later
No thanks